فصل: فصل في حمّى الدم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في الحمى:

المحرقة وهي المسماة فاريقوس إن المحرقة على وجهين: محرقة صفراوية يكون السبب فيها كثرة العفونة إما في داخل عروق البدن كله أو في العروق التي تلي نواحي القلب خاصة أو في عروق نواحي فم المعدة أو في الكبد وإما بلغمية وتكون من بلغم مالح قد عفن في العروق التي نواحي القلب كما قال بقراط في ابتذيميا وإنما يكون البلغم المالح كما علمت من مائية البلغم مع الصفراء الحادة.
فمّكون الصفراء التي تتعفن نارية مائية أي مخالطة للمائية الكثيرة.
ولما كانت المحرقة أشدّ أعراضاً من الغبّ وجب أن تكون أقصر مدة منها والمشايخ قلما تعرض لهم الحميات المحرقة فإن عرضت لهم هلكوا لأنها لا تكون إلا لسبب قوي جداً ثم قواهم ضعيفة.
وأما الشبان والصبيان فتعرض لهم كثيراً وتكون في الصبيان أخفّ لرطوبتهم وربما كانت فيهم مع السبات لتثوير الأبخرة إلى الرأس وقد ذكر بقراط أن من عرض له في الحمى المحرقة رعشة فإن اختلاط الذهن يحلّ عنه الرعشة ويشبه أن يكون ذلك لأن الدماغ يسخن جداً فيسخن العصب ويشبه أن تكون محرقة ويكون اختلاط الذهن ينحل عنه بالرعشة لانتقاض المواد إلى العصب وأكثر ما تفضي تفضي بقيء أو باستطلاق أو عرق أو رعاف.
العلامات: علاماتها اللزوم وخفاء الفترات وشدّة الأعراض من خشونة اللسان ومن اصفراره أولاً ومن اسوداده ثانياً ومن احتباس العرق إلا عند البحران وشدة العطش.
قال بقراط إلا أن يعرض سعال يسير فيسكّن ذلك العطش يشبه أن تكون شدة عطشهم بسبب الرئة فإذا تحركت يسيراً بالسعال ابتلت بما يسيل إليها من اللحم الرخو.
والحرارة في المحرقة في أكثر الأمر لا تكون قوية في الظاهر قوتها في الباطن.
ويكون النكس فيها أخفّ منه في غيرها والكائنة من الصفراء تشتد فيها الأعراض الرديئة من السهر والقلق والاحتراق واختلاط الذهن والرعاف والصداع وضربان الصدغين وغؤور العين واستطلاق البطن بالصفراء المحضة وسقوط الشهوة وإذا عرضت للصبيان كرهوا الثدي ولم يقبلوه وفسد ما يمصونه من اللبن وحمض.
علاج المحرقة: علاجها هو علاج الغب الخالصة.
وإذا احتاجوا إلى استفراغ بمثل ما قيل فالتعجيل أولى.
وأما التام فبعد النضج والفصد ربما ألهبهم وربما نفعهم إن كان هناك كدورة ماء وحمرة لكنه يحتاج إلى تلطيف وتبريد أشد وتبريد بالفعل لما يتناولونه.
وإذا خفت سقوط القوة فلا بدّ من تغذية وإن لم يشتهوها وخصوصاً فيمن يتحلّل منه شيء كثير فإنهم كثيراً ما يصيبهم بوليموس أي عمم الحسّ وإلى تليين في الابتداء أقوى وإلى معالجات الحمى الحادة المذكورة على جميع الأنحاء الموصوفة وقد يصلح أن ينام عند فتور قليل من الحمى على ماء التمر الهندي وقد جعل فيه قليل كافور واستحمت لهم السكنجبين أو حليب بزر البقلة الحمقاء أو حليب بزر الهند.
والبطيخ الرقي جيد لهم ويعتبر في شربة الماء البارد ما ذكرناه فإنلم يكن مانع سقي منه ولو إلى الاخضرار وربما أنساهم اختلاط الذهن طلب الماء فيجب أن يجرعوا منه كل وقت قليلاً قليلاً جرعات كثيرة وخاصة من يرى لسانه يابساً جافاً وتعالج أعراضه المفرطة بما ذكرناه في أبوابها ويجب أن يتوقى عليهم إفراط الرعاف فإنه مما يعظم فيه الخطب عندهم ويجب أن تراعى نفسهم ولا تدع نواحي الصدر أن تشنج ويجب أن تحفظ رؤوسهم بالخلّ ودهن الورد والصندل وماء الورد والكافور ونحو ذلك.
والتنطيل بالسلاقات المطبوخ فيها ما ذكرناه وإذا اشتد بهم السهر فعالجهم ولا بأس بسقي شراب الخشخاش ولو من الأسود في مثل هذه الحال وفي اخره يسقى الأقراص التي تصلح له مثل: أقراص الكافور.
وفي ذلك الوقت يوافقهم السكنجبين بحليب بزر القثد وبزر الهندبا وبزر الحمقاء من كل واحد درهمين والسكنجنبين من خمسة وعشرين إلى خمسة وثلاثين على ما ترى فإن كان هنالك إسهال فأقراص الطباشير الممسكة.
قرص جيد مجرب: يؤخذ طباشير وورد من كل واحد درهمان ونصف زعفران وزن دانق بزر بقلة الحمقاء وبزر الهندبا من كل واحد وزن ثلاثة دراهم بزر القرع وبزر القثاء من كل واحد وزن درهمين صندل وزن درهم ونصف رب السوس ونشا من كل واحد وزن أيضاً: ورد وزن أربعة دراهم بزر الخيار والبطيخ والقثاء والبقلة الحمقاء من كل واحد وزن درهمين زعفران دانقان كافور دانق ونصف صمغ ونشا وكثيراء ورب السوس من كل واحد درهم الشربة منه وزن درهمين.
وإذا انحط انحطاطاً بيِّناً فلا بأس بالحمام المائل ماؤه إلى البرد وأحب ما يكون الحمّام منهم لمن حماه من البلغم المالح.

.فصل في حمّى الدم:

قد ظن جالينوس أنه لا تكون حمى الدم عن عفونة الدم.
فإن الدم إذا عفن صار صفراء ولم يكن دماً فتكون الحمى حينئذ صفراوية لا دموية وتكون المحرقة المذكورة أو الغبّ وتعالجها بذلك العلاج.
وهذا القول منه خلاف قول أبقراط وخلاف الواجب وأكثر الغلط فيه من قولهم: إذا عفن صار صفراء.
فإن هذا القول يوهم معنيين: أحدهما أنه إذا عفن يؤدي إلى أن يصير بعد العفونة صفراء كما يقال أن الحطب إذا اشتعل صار رماداً والثاني أنه إذا عفن يكون حال ما هو عفن صفراء كما يقال أن الخشب في حال ما يسخن يصير رماداً.
فلننظر في كل واحد من المفهومين فأما المفهوم الأول فهو فاسد المأخذ من وجوه ثلاثة: أحدها: أن الدم إذا عفن استحال رقيقة إلى صفراء رديئة وكثيفه إلى سوداء فليس بكليته يكون صفراء والثاني: أن ذلك يكون بعد العفونة ونظرنا في حال العفونة والثالث: أنه بعد ذلك يكون صفراء لا يدري هل فيها عفونة أو ليست فإن كثيراً من الأشياء تعفن ويتميز منه رقيق وكثيف ولا يكون الرقيق ولا الكثيف عفناً توجب عفونته كونه عن عفن فقد يكون من العفن ما ليس بعفن ولو كان كونه عن العفن.
يوجب عفونته لكان يجب أن يكون الكثيف المترمد أيضاً عفناً فتكون هناك حمى سوداوية أيضاً فهذا ما يوجبه تلخيص المفهوم الأول.
وأما المفهوم الثاني فهو كذب صرف فإن العفونة طريق إلى الفساد والعفونة لها زمان واستحالة الدم صفراء لا تكون في زمان بل العفونة فساد يعرض للدم وهو دم كما يعرض للبلغم وهو بلغم لم يصر سوداء ولا صفراء إلا أن يستحيل من بعد ذلك بتمام العفونة بل الحق الصحيح قول بقراط: أن الدم قد يتولد من عفونته حمى فنقول الآن أن حمى الدم حميان: حمى عفونة وحمى سخونة وغليان التي يسميها بقراط سونوخس أي المطبقة دون غيرها وأكثر غليانها عن سدد تحقن الحرارة وقد تكون عن أسباب أخرى تشتد فوق اشتداد أسباب حمى يوم وقد تسمى الشابة القوية وهي من جملة الحميات التي بين حميات العفونة وحميات اليوم فتفارق حميات اليوم بسبب أن التسخن الأول فيها للخلظ وتفارق حميات العفونة بأنه لا عفونة لها وهي حتى حادة ليست حمى يوم ولا حمى دق ولا حمى عفونة وكثيراً ما تنتقل إلى حمى عفونة أو إلى حمى دق وكثيراً ما أجراها جالينوس مجرى حميات اليوم.
ويرى جالينوس أن حمى المم لا تتركب مع سائر الحميات لأن العفن إذا كان في الدم كان عاماً لكل خلط وفي هذا تناقض لبعض مذاهبه لا نحتاج أن نطول الكلام فيه فلا ينتفع به الطبيب وسبب هذه الحمى الامتلاء والسدة وأكثرها من الرياضة وخصوصاً غير المعتادة وترك الاستفراغ ثم استعمال رياضة عنيفة وقد توجب العفونة فيه كثرة مائية الدم من أكل الفواكه المائية فتستحيل إلى العفونة أو كثرة الخلط الفج فيه فتهيئه للعفونة مثله ما يتولد من القثاء والقثد والكمثري ونحوها.
وهذه الحمى لازمة لا تفتر لعموم المادة ولزومها إلى البحران أو الموت وأصنافها ثلاثة: أسلمها المتناقصة تبتدىء بصعوبة ثم لا تزال تتناقص لأن التحلل أكثر من التعفن ثم الواقفة على حال واحدة.
ربما تشابهت سبعة أيام وشرها المتزايدة لأن التحلل فيها أقل من التعفن وبحرانها إلى السابع في الأكثر وانقضاؤها باستفراغ محسوس أو غير محسوس وقد تنتقل إلى المحرقة وإلى السرسام وقد تتتقل بالتبريد الكثير إلى ليثرغش وقد تنتقل إلى الجدري والحصبة وإذا عرض فيها سبات وانتفاخ بطن يجيء منه كصوت الطبل فلا يحطه الإسهال مع تململ وكان الإسهال لا ينفع ثم خرج حصف أخضر عريض خاصة فهو من علامات الموت.
العلامات: علامات الحمى الدموية: لزوم الحمى وحمرة الوجه والعين وانتفاخ الأوردة والصدغين وامتلاء تام من غير نافض ولا عرق إلا عند البحران وكثيراً ما أجراها جالينوس مجرى حميات اليوم ويرى جالينوس أن حمى الدم يصحبها حكاك في الأنف وفي المحاجر وتضيق النفس وكثيراً ما يقع عليهم سبات وعسر كلام وهو رديء وكذلك أورام الحلق واللوزتين واللهاة وسيلان الدموع وحرارتها كثيرة رطبة بخارية حمامية غير قشفة كما في المحرقة ونبضها عظيم لين قوي ممتلىء سريع متواتر جداً مختلف غير كثير الاختلاف وأقل اختلافاً وسرعة مما في المحرقة والغب وليست حرارتها في حد المحرقة والغب لعدم العفونة.
وما كان منها عن عفن فحرارته وأعراضه أشد وعلاجه أصعب فهو أشبه بالمحرقة.
وأما رقة الدم وغلظه فتعرف بما يخرج منه والسونوخس الغليانية أشبه شيء في إبتدائها بحمى اليوم لكن حرارتها قليلة اللذع والأذى وكان أكثر تأثيرها بقرب القلب ويحدث منه التلهث والربو.
وأما العفنة فمستوية أو شبيهة بالمتسوى في الأكثر.
وأما علامات انتقالها فعلامات كل ما ينتقل إليه من الخناق ومن أورام الحلق واللوزتين وقد عرفتها وعلامات الجدري ستعلم.
وعلامات السرسام والصداع واختلاط الذهن وغير ذلك قد علمت.
وأما علامات طولها فمثل ما علمته من تأخر علامة النضج وانخراط الوجه واختلاف حالها في مدتها من التزيّد والوقوف والنقصان حتى تكون كأنها مفترة فإن ذلك دليل على أن الدم مملوء خلطاً فجاً.
وأما مدة بحرانها فيدل عليها ظهور علامات النضج إن تأخر إلى بعد الثالث والرابع لم يجرن في السابع وكثيراً ما يكون بحرانها في الرابع.
علاج حمى الدم: الغرض في علاج حمى الدم هو: استفراغ الكثرة إلى الغشي وتغليظ جوهر الدم إن كان رقيقاً جداً مائياً أو صفراوياً وتبريده وتنقيته وترقيقه إن كان غليظاً فيمن قد تناول مولدات الدم الغليظ ومولدات الخلط الفج وإنضاج المادة الفاعلة للحمى وتحليلها.
فأما الاستفراغ فلا كالفصد من اليد في أي وقت عرضت ولا تنتظر بحراناً ولا نضجاً إلا أن تكون تخمة فاحذرها وأفرغها فإن دامت الحمى فافصد ولا يزال يفصد حتى يقارب الغشي أو يقع إن كان البدن قوياً.
فإن الغشي يبرد أيضاً المزاج القوي واعلم أن الفصد وسقي الماء البارد ربما أغنى عن تدبير غيره والتفريق فيه أولى إن لم يكن ما يوجب الاستعجال فإنه ربما كان فيما دون مقاربة الغشي بلاغ وربما يتبع الفصد البالغ في الوقت إسهال مرة وعرق يجب أن يمسح كل وقت حتى يتتابع وربما عوفي به ويتدارك ما عرض من ضعف وغشي بغذاء لطيف وسكون ويجب أن يدام تليين الطبيعة بما يعرف من مثل ماء الرمانين وماء الرمان الحلو والمر إلى حد الشيرخشْك والتمر الهندي وإشيآفات خفيفة مما ذكرناه وربما احتيج عند النضج إلى استفراغ بمثل الهليلج والشاهترج والخيار شنبر ونحو مما قد علمت فإن لم يحتمل الحال الفصد من اليد ففصد العرق الذي في الجبين أو الحجامة فإن لم يتهيّأ شيء من ذلك لعارض مانع فبالإسهال على نحو ما في المحرقة.
والتبريد بما يفتّح ويقطع ويسكن الغليان وإن عرض من الفصد غشي أطعمته خبزاً بماء الحصرم وإن عرض رعاف من تلقاء نفسه لم يقطع إلا عند مقاربة الغشي.
وأما تغليظ الدم فبمثل ربّ العناب وهو أن تطبخ مائة عنابة بخمسة أرطال ماء حتى يبقى الثلث ويقوم بالسكر وكلما قل السكر فهو أفضل والعدس أيضاً خصوصاً المتخذ بالخل الحامض الثقيف من هذا القبيل.
وإياك أن تسقى ربّ العنّاب أو جرم العدس والمادة غليظة.
وأما تبريده فبمثل ماء العدس المبرد وماء الخسّ المبرّد وسقي الماء البارد إن لم يكن في مانع وربما سقي حتى يرتعد ويخصر فربما عوفي وربما انتقلت الحمى إلى بلغمية وعولجت بأقراص الورد ونحوها.
وهذا العلاج لبعض المتقدمين وانتحله بعض المتأخرين فأما سقي ماء الشعير فهو علاج نافع له وليكن مع لين الطبيعة وأولى الأوقات بهذا وقت شدة الغليان والكرب والاشتعال وتواتر الخفقان واعلم أن الإقتصار على التبريد وترك الفصد والإسهال يزيد في السد والحقن فتزداد العفونة والحرارة في ثاني الحال.
وأما تنقيته فبمثل مسهلات الصفراء بحسب اختلاف استيجاب القوة والضعف وبمنضجات الخلط الخام فربما كان هو السبب في عفونة الدم وفي آخره يسقيه مثل أقراص الكافور وأقراص الطباشير وهذه الأقراص جيدة جداً: نسخته: يؤخذ طباشير ثلاثة بزر البقلة خمسة بزر القثاء أربعة بزر القرع ستة صمغ وكثيراء ونشا من كل واحد وزن ثلاثة دراهم رب السوسن وزن سبعة دراهم يتخذ منها أقراص.
نسخة أخرى: وخصوصاً عند ضعف الكبد يؤخذ ورد وزن ثلاثة دراهم عصارة أمير باريس درهمين بزر القثاء والخيار والبطيخ والحمقا والطباشير من كل واحد وزن درهم صمغ وكثيراء ونشا من كل واحد نصف درهم رواند صيني وزعفران وكافور من كل واحد ربع درهم يقرص.
في تغذيتهم: وأما الأغذية فالعنابية والعدسية المحمضة والرمانية والسماقية وإن كان شيء من هذا يخاف عقله تدرك بشير خُشُك وبالأجاص وبالقرعية والحماضية وفاكهة الكمثري الصيني والرمان والتفاح الشامي وبقولة القرع والقثاء والقثد والهندباء والبقلة المباركة والحمّاض والكزبرة وما يشبهها فإن عرض صداع أو خفقان أو سهر أو سبات أو رعاف مفرط ينهك القوة وغير ذلك من الأعراض الصعبهَ فعالج بما علمناك في موضعه ولا حاجة لنا أن نكرر إذ لا فائدة في التكرار.